دينا محمود (لندن)
أكدت صحيفة «التايمز» البريطانية أن حملة الاعتقالات الجماعية التي نفذها النظام التركي في وقتٍ سابقٍ من الأسبوع الجاري في صفوف موظفي وزارة الخارجية في البلاد، تمثل استئنافاً لحملة القمع التي يشنها الرئيس رجب طيب أردوغان في صفوف معارضيه، بحجة ضلوعهم في محاولة الانقلاب الفاشل، التي تحل الذكرى السنوية الثالثة لها منتصف الشهر المقبل.
وفي تقريرٍ لمراسلتها في إسطنبول هانا لوسيندا سميث، قالت الصحيفة إن الحملة التي شملت عشراتٍ من هؤلاء الموظفين، تأتي في إطار «حملة التطهير» المزعومة التي يمارسها نظام أردوغان في صفوف العاملين في الأجهزة الحكومية وقوات الجيش والشرطة منذ المحاولة الانقلابية، والتي أدت حتى الآن إلى اعتقال أكثر من 77 ألف شخص يقبعون في السجون حتى الآن ويواجهون تهماً جنائيةً، بالإضافة إلى فصل نحو 150 ألف موظف أو إيقافهم عن العمل.
وأشار التقرير - الذي حمل عنوان «أنقرة تبدأ عملية تطهيرٍ جديدةٍ في صفوف العاملين في الخدمة المدنية - إلى أن اليد الباطشة لنظام أردوغان تركزت هذه المرة على 249 من الموظفين الصغار في وزارة الخارجية، ممن التحقوا بالعمل فيها بين عامي 2010 و2013، وهو ما يختلف عن أهداف حملات الاعتقال السابقة التي نفذتها السلطات التركية منذ منتصف 2016، وطالت على مدار السنوات الماضية الكثير من كبار موظفي السلك الدبلوماسي.
وشككت الصحيفة البريطانية في مصداقية ما أعلنته سلطات أنقرة في معرض تبريرها للاعتقالات الجديدة التي جرت من خلال مداهماتٍ شملت 42 من أقاليم البلاد، وذلك عبر إبراز المبرر الواهي الذي ساقته الأجهزة الأمنية التركية لتلك المداهمات المكثفة، والذي تمثل في أن الموظفين الذين تم اعتقالهم «ارتكبوا مخالفاتٍ في اختبارات القبول بالوزارة»، بحسب تحريات ممثلي ادعاء تابعين للنظام الحاكم.
وأشار مراقبون إلى أن هذا السبب لا صلة له البتة بما يدعيه نظام أردوغان، من أن إجراءاته الأخيرة مرتبطةٌ بعلاقاتٍ سريةٍ نسجها الموظفون المعتقلون ورجل الدين المعارض فتح الله جولن، الذي تتهمه السلطات التركية بالوقوف وراء انقلاب 2016 الفاشل، ويقيم حالياً منفياً في الولايات المتحدة.
وقللت «التايمز» ضمنياً من أهمية الذرائع التي برر بها المسؤولون الأتراك العصف بهذا العدد الكبير من الموظفين الحكوميين، والمتمثلة في أنهم تلقوا نسخاً من اختبارات القبول في الوزارة مسبقاً قبل خضوعهم لها، وذلك من أجل اختراق السلك الدبلوماسي للبلاد، لصالح جولن الذي تبذل أنقرة محاولاتٍ مستميتةً لحمل واشنطن على تسليمه إليها بلا جدوى.
وأشارت الصحيفة البريطانية - ذات توجهات يمين الوسط - إلى أن سلطات نظام أردوغان بدأت التنكيل باتباع رجل الدين المعارض منذ أن تحول إلى خصمٍ سياسيٍ لدود للرئيس التركي عام 2013، بعد أن ارتبطا بعلاقة تحالفٍ استمرت سنواتٍ طويلة.
وبدأ الشقاق بين الجانبين، عندما أنحى أردوغان باللائمة على حليفه القديم الذي يعيش في ولاية بنسلفانيا الأميركية منذ 1999، في شبهات فسادٍ أحاطت بالدائرة المقربة للرئيس التركي قبل ست سنوات، عندما كان لا يزال رئيساً للوزراء. وتطور الأمر إلى حد إصدار القضاء الخاضع لأوامر النظام الحاكم في أنقرة مذكرة توقيفٍ بحق جولن (78 عاماً) بتهمة قيادة منظمةٍ إرهابية.
ومنذ ذلك الحين، دأب النظام التركي على اتهام اتباع رجل الدين المعارض بالمسؤولية عن كل المشكلات التي يواجهها، والزعم بأنهم يعملون على اختراق مؤسسات الدولة المختلفة.
وقالت «التايمز» إن انفصام التحالف بين أردوغان وجولن، أدى إلى أن تغلق السلطات التركية عشراتٍ من الشركات المملوكة لرجال أعمالٍ كبارٍ، مرتبطين بالداعية المقيم في منفاه الأميركي، وذلك في وقت جددت فيه حملة الاعتقالات الأخيرة، مخاوف المنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان، من أن النظام التركي يتذرع بالمحاولة الانقلابية - التي تحيطها الكثير من الشكوك - للإجهاز على خصومه السياسيين، وإسكات الشخصيات المُعارضة، والقضاء على أي رأيٍ مخالف.